بناء بيئة صحية مسؤوليتنا جميعًا

20 نوفمبر 2023
Gonzalo Castro de la Mata

أصبح العالم يدرك جيدًا خطورة المشكلات البيئية؛ وباتت المجتمعات على وعي تام بأن هذه القضية هي واحدة من أكثر القضايا الملحّة في عصرنا. وقد تشكّل هذا الوعي نتيجة ما نسمعه ونقرأه يوميًا عن مخاوف متعلقة بالتغيّر المناخي والتلوث والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي. ولا شك أن الحكومات تضطلع بدور رئيسي في التصدي لهذه المشكلات، لكن هذا لا يعني إغفال دور الإسهامات الفردية التي لا تقل أهمية عن الجهود المؤسسية.  

قد يتصور الأفراد، إلى جانب الشركات الصغيرة، أن إسهاماتهم الفردية البسيطة لن تؤثر في حل المشكلات البيئية، ومن ثم لا يحرصون على الالتزام بها؛ إلا أن هذا التصور خاطئ. فهذه الإسهامات قد تبدو صغيرة عندما ينظر لكل منها على حدة، لكنها تمثل في مجموعها عملاً جماعيًا له وزنه وتأثيره وتشكّل موجة كبيرة قادرة على إحداث تغيير إيجابي.    

والأمثلة على ذلك كثيرة، ولنأخذ موضوع المواصلات. هل سألنا أنفسنا إذا كنا في حاجة حقيقية إلى استخدام سياراتنا الكبيرة عند الذهاب إلى أي مكان؟ لقد أنشأت قطر واحدة من أحدث شبكات المترو في العالم التي تعمل بالكهرباء بشكل كامل، واستخدامنا لهذه الشكبة على نطاق واسع يعني تقليل حجم الانبعاثات الكربونية والملوثات الناجمة عنها. وبعيدًا عن وسائل النقل العام، تعد السيارات الكهربائية اليوم خيارًا جيدًا لأصحابها، إذ تسمح لهم بالقيادة في جميع أنحاء الدوحة لأسبوع كامل دون الحاجة لإعادة شحنها. وإذا زاد الإقبال على استخدام هذه السيارات، سيشجع ذلك وكلاء السيارات لطلب المزيد منها، ومن ثم تعزيز انتشارها وتسريع الاعتماد على الكهرباء في تشغيل وسائل المواصلات في الدوحة، كما يحدث في مدن أخرى في العالم.  

وتتمثل الأمور الأخرى، التي يمكن لكل فرد أن يصنع فيها فارقًا، في استخدام المياه، على اعتبار أن تحلية البحر، على سبيل المثال، تعد مصدرًا رئيسيًا للمياه في قطر؛ غير أن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن عملية التحلية تستهلك كميات كبرى من الوقود، التي تعتبر المصدر الثاني لانبعاثات الغازات الدفيئة في قطر. ومن ثم فإن تقليل استخدام المياه سيحد بدوره من هذه الانبعاثات، مع أن الأمر لا يتطلب سوى خطوات بسيطة لترشيد استخدام المياه، مثل زراعة النباتات المحلية التي تتكيف مع الظروف الصحراوية، بدلًا من المسطحات الخضراء والنباتات التي تتطلب مياهًا كثيرة بسبب طبيعة المناخ الحار في قطر، هذا إلى جانب تركيب الصنابير الموفّرة للمياه، واستخدام المياه بقدر الحاجة. فالحفاظ على المياه يمكن أن يتطلب تصرفًا فرديًا سهلًا وبسيطًا، لكنه يمكن أن يكون فعالًا للغاية في الحد من الأضرار البيئية. 

يمكن أيضًا تقليل استخدام الطاقة في منزلك من خلال خطوات بسيطة كتركيب عوازل للحرارة لخفض الطاقة التي تستهلكها أجهزة التكييف أو استخدام مصابيح وأجهزة موفرة للطاقة – وهذه كلها أفعال بسيطة يمكن لكل فرد أن يسهم من خلالها في الحفاظ على البيئة.  

باختصار، تعد الإسهامات الفردية جزءًا لا يتجزأ من الجهود الجماعية لحماية بيئتنا. وإذا كان العمل الجماعي على المستويين الحكومي والمؤسسي لا غنى عنه، فإن لكل فرد القدرة على إحداث تغيير من خلال اختياراته اليومية ودعمه للمبادرات البيئية والمشاركة فيها.  

ولعل واحدة من أهم المبادرات البيئية في قطر تتمثل في أسبوع قطر للاستدامة، الذي نظمه مركز "إرثنا"، عضو مؤسسة قطر، وذلك بهدف إتاحة الفرصة للأفراد والمؤسسات للتعاون من أجل دعم الاستدامة والحفاظ على البيئة. وقد أكدت نسخة هذا العام التي اختتمت قبل أيام الالتزام البيئي الكبير لدى أفراد المجتمع ومؤسساته، حيث سجلت رقمًا قياسيًا سواء على مستوى الفعاليات، التي تجاوزت 470 فعالية أو عدد الحضور الذي زاد عن 200 ألف شخص. وقد تعرف المشاركون خلال هذه الفعاليات على العديد من السلوكيات والممارسات البيئية الصحيحة التي من شأنها أن تسهم في بناء حركة قوية ومستمرة لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع. لقد اجتمع كل هؤلاء للعمل على تحقيق هدف واحد وهو بناء بيئة صحية، فشكرًا لجميع من شاركونا نسخة هذا العام، متطلعين بشغف إلى النسخة المقبلة من أسبوع قطر للاستدامة لعام 2024. 

 

بقلم الدكتور جونزالو كاسترو دي لاماتا

المدير التنفيذي لمركز إرثنا