
بقلم الدكتور جونزالو كاسترو دي لاماتا
المدير التنفيذي لــ "إرثنا – مركز لمستقبل مستدام"
تواجه الدول الواقعة في المناطق الحارة والجافة تحديات هائلة وفريدة نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ تشير معظم التوقعات إلى أن هذه المناطق ستشهد ارتفاعات في متوسط درجة الحرارة مقارنة بغيرها، ومن ثم ستزيد حاجتها لوسائل التبريد، باعتبارها ضرورة قد تصعُب الحياة الطبيعية بدونها خلال الأشهر الحارة، وهو ما يعكسه بالفعل واقع العديد من هذه الدول في وقتنا الحاضر. ومن المشكلات الأخرى التي تواجهها المناطق الحارة زيادة نسبة التبخر، وهو ما يؤدي إلى تقليص حجم الموارد المائية المتاحة لديها، وبالتالي مفاقمة التحدي الذي تواجهه العديد من الدول الساحلية ذات المناخات القاحلة التي تعتمد على تحلية المياه لسد احتياجاتها.
ويكمن التحدي في أن زيادة الطلب على وسائل التبريد وتحلية المياه يصحبها بالضرورة زيادة في استهلاك الطاقة، ما يجعل الاعتماد على الطاقة المتجددة في الدول الحارة والجافة ضرورة لا غنى عنها إنْ أردنا الالتزام بأهداف اتفاقية باريس التي تهدف إلى الحفاظ على درجات الحرارة عند مستويات أقل من 1.5 درجة مئوية خلال القرن الحالي. وقد تم التأكيد أيضًا على أهمية التحول للطاقة المتجددة وضرورة الالتزام العالمي بهذا التحول في "اتفاق الإمارات"، الذي جرى التوصل إليه في قمة المناخ "كوب 28" التي انعقدت في دبي، إذ تعد الطاقة المتجددة عنصرًا أساسيًا في جهود التصدي للتغيّر المناخي. ولحسن الحظ، فإن التقنيات اللازمة لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري متاحة لدينا اليوم.
وتُعد الطاقة الشمسية نقطة الانطلاق في مسار الانتقال للطاقة المتجددة. وأفضل المناطق لإنتاج الطاقة الشمسية هي تلك الواقعة بالقرب من خط الاستواء، إذ تحظى بأعلى مستويات السطوع الشمسي. وجدير بالذكر أن سعر الكهرباء التي تولّدها الطاقة الشمسية قد انخفض انخفاضًا حادًا خلال العقدين الماضيين، ما يجعلها أرخص أنواع الطاقة في معظم الأحيان. لذا يعد الإسراع في توسيع الاعتماد على الطاقة الشمسية الخيارَ الأمثل لمعظم الدول الحارة والجافة. ومن المهم الإِشارة إلى أن التقنيات والخبرات اللازمة لتحقيق ذلك متاحة بالفعل، ولا ينقص سوى تسريع وتيرة إصدار السياسات التي توسّع نطاق استخدام الطاقة الشمسية من خلال تذليل العقبات الاقتصادية والسماح للقطاع الخاص بزيادة استثماراته في هذا المجال.
وتُعد الشبكات الكهربائية الذكية وسيلة مساعدة أيضًا لتعزيز كفاءة الطاقة، وتحسين إدارة موارد الطاقة، وتقليل الخسائر الناجمة عن نقل الطاقة الكهربائية، وتعزيز دمج المصادر المتجددة في الشبكات الكهربائية الحالية. كما يمكن لهذه الشبكات إدارة انقطاعات التيار الكهربائي المعتمد على الطاقة الشمسية، وتحسين استخدام بطاريات التخزين. وجدير بالذكر أن ارتفاع درجات الحرارة الذي كان يؤثر في بطاريات التخزين التقليدية لم يعد مشكلة بفضل التطور الذي شهدته تقنيات تخزين الطاقة، فأصبح لدينا اليوم بطاريات "الليثيوم أيون" وإمكانية تخزين الطاقة الحرارية.
ومن الوسائل الأخرى المهمة لتقليل استهلاك الطاقة نظام تبريد المناطق، وهو نظام تبريد مركزي يوفر مياه مبردة - وبالتالي تكييف الهواء - لعدة مباني. ويعتبر هذا النظام بديلًا أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة من وحدات تكييف الهواء الفردية التقليدية. ويمكن للتكييف المركزي أن يقلل استهلاك الطاقة في المتوسط بمقدار الثلث تقريبًا.
وإذا كانت الحلول التقنية لا غنى عنها في ترشيد استخدام الطاقة، فإن العامل المجتمعي لا يقل أهمية أيضًا. وعادة ما تعتمد السياسات التحفيزية لترشيد الطاقة على تحديد سعر مناسب للطاقة يعكس قيمتها الحقيقية حتى تدفع أفراد المجتمع إلى اتخاذ إجراءات فردية بسيطة تصنع في مجموعها فارقاً. ومن هذه الإجراءات البسيطة إطفاء الأنوار عند عدم الاستخدام، وعدم هدر المياه دون داع، خاصةً إذا كانت مياهًا محلاة، والتوقف عن تبريد الغرف غير المستخدمة في المنزل أو مكان العمل.
ولا يكمن الحل في التكنولوجيا لوحدها، بل توجد العديد من الحلول التقليدية التي استُخدمت في العصور السابقة ولا تزال صالحة للتّطبيق اليوم، ومنها على سبيل المثال تحديد اتجاهات المباني على نحو يجنبها أشعة الشمس المباشرة في أوقات معينة من اليوم ويزيد من تدفق الرياح إليها لتبريدها، وكذلك استخدام مواد بناء وطلاءات مناسبة لكي تعكس أشعة الشمس.
وتعد مشيرب قلب الدوحة من أفضل المناطق التي تطبق هذا النموذج الذي يجمع بين التكنولوجيا والأساليب التقليدية، إذ توفر شوارعها الظل للمشاة، ويهب عليها النسمات الباردة من البحر، وتظلّل مبانيها بعضها بعضًا، وتكسوها الألوان الفاتحة لتقليل الحاجة إلى تبريدها، بالإضافة إلى استخدام مواد صديقة للبيئة في بنائها. كما تتميز بسماكة جدران مبانيها، واستخدام الزجاج العازل للحرارة، والاعتماد على الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء وتسخين المياه، وتبريد المباني عبر تكييف مركزي. بالإضافة إلى ذلك، تشكل نسبة المياه المعاد تدويرها 70 في المائة من الاستهلاك الكلي للمياه، وينتشر في محيطها النباتات المحلية التي يتناسب نموها مع البيئة المحلية وتحتاج إلى مياه قليلة، فضلًا عن سهولة التنقل من مكان لآخر سيرًا على الأقدام أو باستخدام قطار كهربائي.
ما نريد الإشارة والتأكيد عليه هنا هو أن الدول الحارة والجافة تواجه تحديات فريدة بسبب تغير المناخ، وحلول هذه المشكلات متوفرة ومن شأنها أن تساعدنا على التكيّف والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومن ثم تعزيز مسار التحول العالمي المطلوب نحو استخدام الطاقة المتجددة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.